skip to main |
skip to sidebar
عولمة الثقافة .. وثقافة العولمة
يتعرض مفهوم الثقافة (CULTURE) الى نقد واعادة نظر شديدين، وما العولمة الا واحدة من العوامل التي تعقد الحوار حول الثقافة بشكل عام. آخر الكتب التي ناقشت هذا الموضوع الجدلي في الغرب هو كتاب اعدته شاري آوتنر (Sherry Ortner) استاذة الانثربولوجيا بجامعة كولومبيا تحت عنوان «مصير الثقافة». جاء هذا الكتاب كنوع من الاحتفاء بالمنظر الامريكي الكبير كليفورد جيرتز (Clifford Geertz). شارك في هذا الحوار النقدي حول الثقافة مجموعة من المنظرين الكبار من امثال جورج ماركوس وناتلي ديفز ورينالتو روزودو وآخرين. وكانت نقطة الخلاف الاساسية مع رؤية جيرتز التي ترى الثقافة على انها «عنكبوت مشترك يعطي معنى لحياة الناس في مجتمع محلي». فهناك على سبيل المثال الثقافة التلفزيونية التي تدخل على المجتمعات المحلية، وتتشابك مع رموز الثقافة المحلية، تلك الرؤية جاءت من دراسة لليلى ابو لغد (استاذة الانثربولوجيا بجامعة نيويورك) والتي اجرتها في قرية في غرب الاقصر من جنوب مصر. النقطة الاساسية هنا هي ان مفهوم «الثقافة» بشكلها التحليلي هو مثار مراجعة وجدل في الجامعات الغربية، بنفس الدرجة من اللخبطة التي تدور حول مفهوم العولمة. ورغم هذا الجدل الدائر حول موضوع الثقافة في الغرب، نجد ان الاستاذين الدكتور سمير امين والدكتور برهان غليون يتحدثان عن الثقافة في اطار العولمة، وكان موضوع الجدل حول الثقافة غير قائم. ففي كتابهما الذي اتعرض له هنا «ثقافة العولمة وعولمة الثقافة» يتعرضان لعلاقة بين متغيرين اساسيين هما الثقافة والعولمة وكأن الحوار قد انتهى حول تعريف المفهومين.
هذا المقال هو الثالث في سلسلة المناقشة النقدية التي وعدت بها قراء «الشرق الأوسط» حول ما اسميته «عولمتهم وحوارنا». ما من شك ان الحوار بين سمير امين وبرهان غليون هو حوار اغنى بكثير من الاوراق التي قدمت في كتاب «العرب والعولمة»، والذي كان، وكما قلت في المقال السابق، كتابا عن الغرب وليس عن العرب، تعرض برهان الى تحديد مفهوم العولمة الذي يناقش موضوع الثقافة من خلاله، فعرفها على انها «تتجسد في نشوء شبكات اتصال عالمية تربط جميع الاقتصادات والبلدان والمجتمعات وتخضعها لحركة واحدة». ينظر برهان للعولمة على انها ظاهرة جديدة، على عكس محاوره سمير امين الذي يراها كاستمرار للحالة الرأسمالية والامبريالية التي تخضع الاطراف لسيطرة المركز اقتصاديا وبالتبعية ثقافيا.
العولمة بالنسبة لبرهان هي اندماج لمنظومات ثلاث اساسية هي المنظومة المالية، والمنظومة الاعلامية والاتصالية، والمنظومة المعلوماتية المتمثلة في شبكة الانترنت، العولمة من وجهة نظره هي «الدخول في مرحلة من الاندماج العالمي الاعمق» ودونما توضيح لسبب فصل المعلوماتية والاتصال والاعلام كمنظومتين مستقلتين، يتبنى برهان غليون حتمية عالم المعلوماتية والقرية الصغيرة التي طرحها استاذ الاتصال الكندي مارشال مالكون.
ويرى غليون ان عملية الهيمنة الثقافية في اطار تضافر هذه المنطومات ويكون موقعنا حسب قوله اننا «خاضعون لتحولات دولية لا طاقة لنا في تعديل اتجاهها. والمهم ان نفهم آليات الهيمنة الجديدة وأن نسعى بكل امكانياتها الى تغيير او تعديل اثرها علينا». (ص37) وسؤال غليون في ما يخص الثقافة بشكل عام هو: هل نحن في اتجاه تكوين ثقافة عالمية واحدة يكون الصراع في داخل محتواها الكبير، ام اننا في اتجاه صراع الثقافات؟ هل ستكون الثقافة الوطنية هي مصدر مقاومة ثقافة العولمة؟
ويرى غليون ان هناك تحديين للثقافة العربية الاول هو الاستسلام الذي يؤدي في نظره الى الانحلال والتفكك، والثاني هو الرفض والاحتجاج وبالتالي نكون بمثابة الثقافة المضادة لثقافة العولمة.
ويفضل غليون ان تكون مواجهة العرب للعولمة
تأتي في اطار اعادة تعريف الذات ومقاومة العولمة كجزء من منظومة عالمية، هذا يستدعي حسب وجهة نظر غليون الى الاعتراف بقصور انظمتنا الاجتماعية والثقافية، وان نكسر آليات التبعية وننطلق نحو العالمية بهدف القضاء على هامشيتنا الحضارية.
اما الدكتور سمير امين في ورقته المعنونة «ثقافة العولمة وعولمة الثقافة» كان متسقا مع ذاته القديمة فطرح لنا موضوع ثقافة العولمة على انه استمرار للثقافة الرأسمالية المهيمنة منذ قرون. وجوهر ورقة امين على حد تعبيره يتعلق بموضوع «المعارضة في العلاقة التي تحكم الامور السياسية والاقتصادية في مجتمعات العالم المعاصر، وبين الخصوصية الظاهرة التي تحكم الحياة الثقافية». (ص 61).
وهو يرى ان الحوار العربي الاسلامي حول موضوع الحداثة والاصالة لا يهتم بهذه العلاقة بين عولمة السياسة والاقتصاد ودافع الخصوصية الثقافية المخادع. حيث يرى امين ان ثقافة الاصولية الاسلامية هي اساس المشكلة بالنسبة لتعامل العرب مع السيطرة الثقافية الامبريالية، ويطرح الحل في اطار قد يختلف في المنهج عن برهان غليون، ولكنه يتفق في الجوهر وهو اننا لا بد ان نعيد النظر في حالتنا الثقافية ونحاول ان نقاوم العولمة في اطار عالمي اوسع وان نكون جزءا من طرح لعولمة بديلة اكثر انسانية. وكما في كتاب «العرب والعولمة» الذي ذكرته في المقال السابق تكون مرجعية كل من امين وغليون مرجعيات غربية على مستوى المعرفة وكذلك المادة المستوحاة. لكن امين يبقى كما ذكرت مخلصا لمنهجه الماركسي الذي بدأه منذ ان كتب اطروحته عام 57 والذي لم يغيره حتى الآن ولا تثريب على ذلك، ولكن الاصرار على الاستمرارية مقابل مراحل الانقطاع التاريخية هو عرضة للنقد الآن اكثر مما قبل، ورغم عالمية اسم سمير امين الا ان ورقته لا تختلف في جوهرها او حتى في مخبرها عن ورقة قدمها امانويل ولوستاين، ضمن كتاب عن «الثقافة والعولمة والنظام العالمي» ( Culture Globalization and the world system) والذي حرره البرفسور انتوني كنج وصدر عن دار جامعة منسوتا عام 1997.
ولم يكن الحوار بين غليون وسمير امين سوى تلخيص لحوار غربي قد يكونان هما فاعلين فيه، ولكنه في النهاية مثله مثل سابقيه لا يشير الى حقائق العالم العربي كحالة جماعية او حتى كحالات منفردة، وتبقى في هذا الحوار حول العولمة والثقافة فجوات اكبر عمقا، حيث الى جانب مشكلة تعريف مفهوم الثقافة الذي لم يتعرض له الباحثان، تبقى اشكالية طرحهما للعولمة في اطار المنظومات الكبرى المالية والاعلامية والاتصالية، وتكون الثقافة والبشر وحركتيهما حثيثة كنتائج للمنظومات السالفة الذكر.
* خاتمة مفتوحة للشرح
* ترى ماذا يقول الاستاذان امين وغليون لما هو رموز للحضارة او الثقافة العربية الموجودة في باريس او في لندن او حتى في نيويورك، هل المطاعم التي تقدم وجبات عربية في تلك العواصم، هي بالفعل مطاعم عربية؟ وماذا يحدث للسائح الامريكي عندما يدخل مطعما مغربيا في باريس، هل سيدفعه ذلك الى مزيد من التعمق والذهاب الى المغرب ام انه سيكتفى بانه التقى المغرب في باريس وهذا يكفي؟ هل مقابلة المحلي او موسيقى النوبة في القاهرة تعني الاكتفاء بهذه المقابلة؟ ماذا يحدث للثقافة عندما تترك المحلي الى موقع آخر، هل تبقى اصيلة رغم ادعائها، ام هي شيء جديد لا هو عالمي ولا هو محلي؟ والى اللقاء في مقال قادم.
No comments:
Post a Comment