Slide Ads

Tuesday, June 23, 2009

البعد الفلسفي للوجود الإنساني في تجربة ادريس المسناوي

البعد الفلسفي للوجود الإنساني

في تجربة ادريس المسناوي

تتفرد التجربة عند الزجال المغربي إدريس المسناوي ، بتجاوزها للتوصيف الفوتوغرافي للواقع ، الذي طبع ذاكرة الزجل المغربي لردح غير قليل من الزمن ،إلى إثارة البعد الفلسفي الإنساني في عموميته وخصوصيته في الآن ذاته، حيث نطالع المفاهيم الكونية لوجود الإنسان و أسئلته الحائرة حول ماهيته المتشاكلة جسدا وروحا ، ونطالع إلى جانبها خصوصية الذات الشاعرة التي تخوض تجربة الكتابة المتجلية في معاناة الذات المبدعة وأفق تشاركها مع هموم الذات المتلقية..

سؤال الفضاء الزمني بكل مساحته المتماهية مع الوجود الإنساني في جدلية التحكم

و الانصياع

[ هذ اللحظه الطالع منها شهوات

هذ اللحظه الهابطه عليَّ نسمات

ورا خطواتي مدفونَه انوارها

قدام لهاتي مخبيه ادرارها

هي فوق نفسي هي تحت حسي

أنا المزروع فيها حبّات أنا المجني منها مرّات

الماضي يجرني جرّات المستقبل يجبدني جبدات ]

هو سؤال يحيل على قلق الانتماء والطمأنينة، لزمن معين بذاته..حتى تصرخ الذات الشاعرة

[طلقوني نرجع لْ غدا

نلحق بحلمتي نوسَّع رحبتي لرحبات

الزمن لمعنِّي به ف جعبتي ] في منافرة دلالية تشير الى استثمار انزياحية الزمان في كل تمظهراته..وتبقى لحظة الكتابة، هي اللحظة الحاسمة في تصويغ المكان لعيش لحظة الزمن المرغوب فيها والمنفلتة من هذه الرغبة ذاتها..إذ السياق هو المتحكم في أقانيم زواج اللحظة بالمكان زواجا كاثوليكيا بتبادل عهود زواج الروح بالجسد

[هذ اللحظه الفالتَه من عمر الزمان

هذ الزمان الجاري ف كف لمكان

هذ لمكان الخارج بإنسان الروح الداخل بحس الإنسان

ينبش على مادَّه يفتَّش على وجدان

فاللحظه الحيَّه الهاربَه الغابرَه ف تاريخ الزمان

ايلا كان للزمان تاريخ . . . ايلا كان ..]

ثنائية المادة /الوجدان..الجسد / الروح..أحادية الإنسان وتعدد الأسئلة القلقة حول ماهيته ووجوده في علاقتهما بالمكان والزمان المحددين لمصيره من جهة وحاضره من جهة ثانية ..ليصل تصور الشاعر إلى منتهاه في ثنائية الحياة والموت عبر توازٍ منسجم يحيل على وعي تام أثناء لحظة الكتابة :

[بين الحركَه والسكون

شاهد لقبر تايقرا بالمقلوب كفوفنا

بين الحياة والموت تايطوالوا رجلين خوفنا

الساعه ما عرفناها مطلقانا ولاَّ غير مخاصمانا

للسؤال ما لقت ركوب بلا مقص تقطَّع ف جوفنا]...

إن هذه الأسئلة الفلسفية الكبرى..عن الذات في علاقتها بوجودها وفاعليتها فيه (هل هي المسيطرة على أقانيم توجهاتها واختياراتها..أم هي تابعة فقط و مستسلمة؟)

الأسئلة التي تؤسسها قصيدة المسناوي لا تبقى حبيسة تفاعل الذات مع همومها الخاصة، بل تتجه إلى مفهوم التشارك وتقاسم همّ الكينونة والمصير ،تشارك يبقى محوره الذات الشاعرة عينها

[انت زماني بالصح ولاَّ غير بَّخ ْ على بخ ؟

تتلوَّى بين النجوم تتوَّم لغيوم تزوَّج لكروم

تحسَّسني بقيمةْ اللحظه ندرك الهم المشروك

نكون فيه أنا المدروك ]

سؤال الوجود الذي حمل همّه ديكارت ومن قبله وبعده ، تحمله قصيدة ( فوق النفس ..تحت الحواس)،بوعي عميق لمفهوم الشك الذي يبحث في عمق الانسان ويخلخل اعتقاداته و يثير أسئلته حول نفسه، نحو ثنائية التحليل و التركيب/التشتت والتوحد /الضياع و العودة

[أنا الكاين المتحَوَّل بين السابق واللاحق

المخدوع بطيف اللحظه المقطوع من ضو شجره

الوقت وقتي أنا السايل فيه

العمر عمري أنا الناقص منه ونا الزايد عليه..]

[ونا براس قدُّه قدْ آش نتكركب بين الشك واليقين

نعثر بين الوضوح والعتْمَه نوقف وقفة الكاف

نقول لراسي " شاك لا يكون الزمان غير ف عقلي

شاك ف عقلي لا يكون ما سمع ما شاف ..."]

فلسفة الكينونة ..كينونة خاصة تزج بالسواد في مساحة البياض الفاره الفضاء..إنها فلسفة الكتابة..القدر المحتوم للذات الشاعرة التي تدعوها إلى مقاومة كل أشكال التراجع والاستسلام

[نسرَّح شوفتي فالسراب المنشور بين الوجود والعدم

نقول " ابْلَى سوادك يا موتي قدّام حركتي "]

لحظة التحدي تحدي بياض الورقة بسواد القلم و تحدي سواد الأيام بصفاء اللغة وبياض المعاني ..

[نشق الضباب الواقف بين الحاضر والمستقبل

نقول حتى لو كاع تهبط عليَّ قبَّة ليلتي

تبقى سحابتي حبلى ب لمعاني نزيَّن بها لغتي

حتى يغدو الانسان في ظل صراع الوجود/ الكتابة بوثقة المعاناة ومجمع كل كل معاني الألم والفرح/العدم والوجود..وتغدو اللحظة حينها لحظة إدريس المسناوي الذي صدرها في بداية القصيدة، لحظة تشاركية تتجاوز نرجسية العمل الذاتي إلى مخاطبة الآخر ودعوته إلى مقاسمة الرؤيا الشعرية مع الذات المبدعة في حميمية المتلذذ بخمر الكتابة و نديمه...

[سكران و ما شارب غير الضو

عمروا لي من روح مجاجه كاس ورا كاس

حتى تبرز عروسة الشتا بحروف زيني

اسقوني بكفوف لبها سقيَه على سقيَه

حتى تخضر اليابسه ف طيني]

هي دعوة عميقة إلى الحوار وتبادل التصورات و المكاشفة الشفيفة التي تفضي إلى فهم الإنسان في حقيقته و تمكنه من تحسين أدائه الإنساني

[ نتمراوْا . . . نتمراوا . . .

حتى نوصلوا للمقام العالي فالإنسان نتخاواوْا

( الإنسان مجمع لمعاني ) معاني

ف بروق شموسهم نقراوا اللوح الساني نتداواوْا]

من هذه الزاوية تكون القصيدة رسالة .. والأجدر بها أن تكون كذلك ،حتى لا ندفع ثمن عبثية الكتابة كما نفعل باستمرار..لأن تحطيم قوالب اللغة وصوريتها الذي يؤسس للوجود الشعري، ليس هو الهدف في ذاته ولا هو مبلغ الشعرية في تحققها..إن فاعلية القصيدة عند التلقي و في أفق تغيير العالم حسب رؤى جديدة هي التي تعطي للقصيدة قيمتها الحقيقية من حيث انتمائها للجنس الشعري ...

وقصيدة المسناوي من هذه الطينة التي تجمع بين عناصر الجمال اللغوي والأسلوبي المفرغ في تراقص الإيقاع المتوازي وبين القيمة الأخلاقية الملتزمة و الفاعلة في الإحالة على قيم إنسانية كبرى، كان العنوان الأكبر فيها : الذات و الآخر ..الآخر والذات..رحلة البحث عن الذات من خلال الآخر..ودعوة الذات إلى معرفة الآخر..تجربة تعانق قمة الشعر في أبهى تألقاته ..تجربة بحجم الشاعر نفسه...

يا صبحية إيماني

قولي اللاّلَّه الشمس

تدوز منَّهنا ايلا بغت تلقاني

أنا هنا . . . . . هاني . . . .

اللي شافني من اقراني

يفرَّك الدَّرَّه لحبّات ...

يفرَّك الحبَّه لحبيبات ...

يفرَّك الحبِيْبَه لجزئيات ...

يفرَّك فيهم وحدانيتي لكثيرتي

يفرَّك كثيرتي لوحدانيات

يفرَّك و يفرَّك

من هذي لذك حتى يطيح على إنساني ...

إنساني نفس نفسي ...

إنساني حس حسي ...

إنساني سفْرَةْ ذاتي لكياني ...

إنساني خمرة كياني ف كياني ...] (فوق النفس..تحت الحواس)

الزجال المغربي : ادريس المسناوي.

عبد الرحيم أبوصفاء

No comments: