العولمـة.. مـقــاومـــة وتفاعـــل
ما زال مصطلح (العولمة) من المصطلحات الغامضة التي لم تُحدَّد معالمها بدقة؛ على الرغم من كثرة الكتب والدراسات التي كتبت فيه. لكن يبدو أن هناك رأياً سائداً عند جمهرة من الساسة والمفكرين يشير إلى أن مصطلح (العولمة) قرين لمصطلح (الأمركة)، وهذا ما أشار إليه مؤلفا كتاب (فخ العولمة) عندما قالا: (إن ثمة جهوداً خارقة تبذل لكي يتخذ العالم صورة واحدة؛ ولا ريب في أن المحصلة النهائية لمثل هذا التطور ستكون في المجال الثقافي كما يتبناها ابن نيويورك الفنان «كورت روي ستون» بسيادة الصراخ والزعيق الأمريكي بمفرده في العالم أجمع)(1).
لقد انهارت أوروبا أمام الغزو السينمائي والتلفزيوني الأمريكي كما ذكر ذلك بعض المفكرين(2)، ولم يحمها شعار الاستثناء الثقافي الذي رفعه وزير الثقافة الفرنسي، وشعرت كثير من الدول بالقلق من هذه التحولات الثقافية والحضارية التي يشهدها العالم؛ حتى قال وزير الخارجية الكندي: (لئن كان الاحتكار أمراً سيئاً في صناعة استهلاكية؛ فإنه أسوأ إلى أقصى درجة في صناعة الثقافة؛ حيث لا يقتصر الأمر على تثبيت الأسعار، وإنما تثبيت الأفكار!).
فإذا كان هذا الانهيار والقلق قد حصل في الدول الكبرى التي تدرك خطورة العولمة؛ فما بالك في الدول المهزومة التي ترى أن نهضتها إنما تكون بالانسلاخ من هويتها، والوقوع في شرك التبعية، خاصة بعد إرهاب الأمركة الذي امتد هديره بعد أحداث نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من سبتمبر ليجرف بطوفانه ما بقي من كرامة الشعوب..؟!
إن سراب العولمة وأكاذيبها المتتالية ـ خاصة في المجال الاقتصادي ـ بدأت تتضح وتنكشف سوءاتها؛ ولهذا فإن مستقبل العولمة (الأمركة) أصبح مهدداً بالسقوط التدريجي، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي زلزلت الكيان الأمريكي وأسقطت هيبته.
لقد أشرنا في العدد (167) إلى المؤتمر(3) الذي عقده المنتدى الإسلامي في لندن بعنوان: (العولمة.. مقاومة وتفاعل)، ونشرنا مقالة تمهيدية للدكتور إبراهيم بن ناصر الناصر بعنوان: (العولمة .. استثمار ومقاومة)، ووعدنا بنشر بقية الأوراق التي قدمت فـي المؤتمـر، وهـا نحـن ـ بحمد الله ـ نفي بالوعد وننشر الملف بعد انعقاد مؤتمر الدوحة لـ (منظمة التجارة الدولية) التي تعد إحدى الأذرع الرئيسة للعولمة.
----------------------
(1) فخ العولمة، ص 49.
(2) منهم: روجيه جارودي في كتابه: (أمريكا.. طليعة الانحطاط)، ص 114.
(3) من الأوراق التي قدمت في المؤتمر: ورقة بعنوان: (عولمة أم استعمار؟) قدمها الأستاذ الدكتور محمد آمحزون، وورقة أخرى بعنوان: (العولمة الإعلامية) قدمها الدكتور مالك الأحمد، ولكن لم ننشرهما في هذا الملف لأنه سبق نشرهما في مجلة البيان في العددين (145، 148) مع العلم أنهما أضافا مادة علمية كثيرة، لكننا آثرنا عدم التكرار.
No comments:
Post a Comment